فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن نزع الشيء قلعه عن مكانه، والغل العقد.
قال أهل اللغة: وهو الذي يغل بلطفه إلى صميم القلب، أي يدخل، ومنه الغلول وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة، ويقال: انغل في الشيء، وتغلغل فيه إذا دخل فيه بلطافة، كالحب يدخل في صميم الفؤاد.
إذا عرفت هذا فنقول: لهذه الآية تأويلان:
القول الأول: أن يكون المراد أزلنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا، ومعنى نزع الغل: تصفية الطباع وإسقاط الوساوس ومنعها من أن ترد على القلوب، فإن الشيطان لما كان في العذاب لم يتفرغ لإلقاء الوساوس في القلوب، وإلى هذا المعنى أشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ}.
والقول الثاني: إن المراد منه أن درجات أهل الجنة متفاوتة بحسب الكمال والنقصان، فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى أن صاحب الدرجة النازلة لا يحسد صاحب الدرجة الكاملة.
قال صاحب الكشاف: هذا التأويل أولى من الوجه الأول، حتى يكون هذا في مقابلة ما ذكره الله تعالى من تبري بعض أهل النار من بعض، ولعن بعضهم بعضًا، ليعلم أن حال أهل الجنة في هذا المعنى أيضًا مفارقة لحال أهل النار.
فإن قالوا: كيف يعقل أن يشاهد الإنسان النعم العظيمة، والدرجات العالية، ويرى نفسه محرومًا عنها عاجزًا عن تحصيلها، ثم إنه لا يميل طبعه إليها، ولا يغتم بسبب الحرمان عنها، فإن عقل ذلك، فلم لا يعقل أيضًا أن يعيدهم الله تعالى، ولا يخلق فيهم شهوة الأكل، والشرب والوقاع، ويغنيهم عنها؟
قلنا: الكل ممكن، والله تعالى قادر عليه، إلا أنه تعالى وعد بإزالة الحقد والحسد عن القلوب، وما وعد بإزالة شهوة الأكل والشرب عن النفوس، فظهر الفرق بين البابين.
ثم إنه تعالى قال: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} والمعنى: أنه تعالى كما خلصهم من ربقة الحقد والحسد والحرص على طلب الزيادة فقد أنعم عليهم باللَّذات العظيمة، وقوله: {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} من رحمة الله وفضله وإحسانه، وأنواع المكاشفات والسعادات الروحانية.
ثم حكى تعالى عن أهل الجنة أنهم قالوا: {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} وقال أصحابنا: معنى {هَدَانَا الله} أنه أعطى القدرة، وضم إليها الداعية الجازمة، وصير مجموع القدرة وتلك الداعية موجبًا لحصول تلك الفضيلة فإنه لو أعطى القدرة، وما خلق تلك الداعية لم يحصل الأثر، ولو خلق الله الداعية المعارضة أيضًا لسائر الدواعي الصارفة، لم يحصل الفعل أيضًا.
أما لما خلق القدرة، وخلق الداعية الجازمة، وكان مجموع القدرة مع الداعية المعينة موجبًا للفعل كانت الهداية حاصلة في الحقيقة بتقدير الله تعالى، وتخليقه وتكوينه.
وقالت المعتزلة: التحميد إنما وقع على أنه تعالى أعطى العقل ووضع الدلائل، وأزال الموانع، وعند هذا يرجع إلى مباحث الجبر والقدر على سبيل التمام والكمال.
ثم قال تعالى: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ ابن عامر {ما كنا} بغير واو وكذلك هو في مصاحف أهل الشام، والباقون بالواو، والوجه في قراءة ابن عامر أن قوله: {مَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} جار مجرى التفسير لقوله: {هَدَانَا لهذا} فلما كان أحدهما عين الآخر، وجب حذف الحرف العاطف.
المسألة الثانية:
قوله: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} دليل على أن المهتدي من هداه الله، وإن لم يهده الله لم يهتد، بل نقول: مذهب المعتزلة أن كل ما فعله الله تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام، والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد، فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر، والمحق والمبطل بسعي نفسه، واختيار نفسه فكان يجب عليه أن يحمد نفسه، لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان، وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنان، وخلصها من دركات النيران، فلما لم يحمد نفسه ألبتة، وإنما حمد الله فقط.
علمنا أن الهادي ليس إلا الله سبحانه.
ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا: {لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} وهذا من قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانًا، وقالوا: لقد جاءت رسل ربنا بالحق.
ثم قال تعالى: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ذلك النداء إما أن يكون من الله تعالى، أو أن يكون من الملائكة، والأولى أن يكون المنادي هو الله سبحانه.
المسألة الثانية:
ذكر الزجاج في كلمة أن هاهنا وجهين: الأول: أنها مخففة من الثقيلة، والتقدير: أنه والضمير للشأن، والمعنى: نودوا بأنه تلكم الجنة أي نودوا بهذا القول.
والثاني: قال: وهو الأجود عندي أن تكون أن في معنى تفسير النداء، والمعنى: ونودوا.
أي تلكم الجنة، والمعنى: قيل لهم تلكم الجنة كقوله: {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ} [ص: 6] يعني أي امشوا.
قال: إنما قال: {تلكم} لأنهم وعدوا بها في الدنيا.
فكأنه قيل: لهم هذه تلكم التي وعدتم بها وقوله: {أُورِثْتُمُوهَا} فيه قولان:
القول الأول: وهو قول أهل المعاني أن معناه: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله، والإرث قد يستعمل في اللغة، ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي كما يقال: هذا العمل يورثك الشرف، ويورثك العار أي يصيرك إليه، ومنهم من يقول: إنهم أعطوا تلك المنازل من غير تعب في الحال فصار شبيهًا بالميراث.
والقول الثاني: أن أهل الجنة يورثون منازل أهل النار.
قال صلى الله عليه وسلم: «ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ثم يقال يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون فيقسم بين أهل الجنة منازلهم» وقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فيه مسائل:
المسألة الأولى:
تعلق من قال العمل يوجب هذا الجزاء بهذه الآية فإن الباء في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} تدل على العلية، وذلك يدل على أن العمل يوجب هذا الجزاء، وجوابنا: أنه علة للجزاء لكن بسبب أن الشرع جعله علة له، لا لأجل أنه لذاته موجب لذلك الجزاء، والدليل عليه أن نعم الله على العبد لا نهاية لها، فإذا أتى العبد بشيء من الطاعات وقعت هذه الطاعات في مقابلة تلك النعم السالفة فيمتنع أن تصير موجبة للثواب المتأخر.
المسألة الثانية:
طعن بعضهم فقال: هذه الآية تدل على أن العبد إنما يدخل الجنة بعمله، وقوله عليه السلام: «لن يدخل أحد الجنة بعمله وإنما يدخلها برحمة الله تعالى» وبينهما تناقض، وجواب ما ذكرنا: أن العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته، وإنما يوجه لأجل أن الله تعالى بفضله جعله علامة عليه ومعرفة له، وأيضًا لما كان الموفى للعمل الصالح هو الله تعالى كان دخول الجنة في الحقيقة ليس إلا بفضل الله تعالى.
المسألة الثالثة:
قال القاضي: قوله تعالى: {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} خطاب عام في حق جميع المؤمنين، وذلك يدل على أن كل من دخل الجنة فإنما يدخلها بعمله، وإذا كان الأمر كذلك امتنع قول من يقول: إن الفساق يدخلون الجنة تفضلًا من الله تعالى.
إذا ثبت هذا فنقول: وجب أن لا يخرج الفاسق من النار لأنه لو خرج لكان إما أن يدخل الجنة أو لا يدخلها.
والثاني: باطل بالإجماع، والأول: لا يخلو إما أن يدخل الجنة على سبيل التفضل أو على سبيل الاستحقاق، والأول باطل، لأنا بينا أن هذه الآية تدل على أن أحدًا لا يدخل الجنة بالتفضل، والثاني: أيضًا باطل لأنه لما دخل النار وجب أن يقال: إنه كان مستحقًا للعقاب فلو أدخل الجنة على سبيل الاستحقاق لزم كونه مستحقًا للثواب، وحينئذ يلزم حصول الجمع بين استحقاق الثواب واستحقاق العقاب وهو محال لأن الثواب منفعة دائمة خالصة عن شوائب الضرر والعقاب مضرة دائمة خالصة عن شوائب المنفعة والجمع بينهما محال.
وإذا كان كذلك كان الجمع بين حصول استحقاقهما محالًا.
والجواب: هذا بناء على أن استحقاق الثواب والعقاب لا يجتمعان.
وقد بالغنا في إبطال هذا الكلام في سورة البقرة، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عزّ وجل: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ} قال بعضهم: أي في الدنيا أخرج الله تعالى الغل والحسد من قلوبهم، وألف بين قلوبهم كما قال الله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأرض جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] ويقال: هذا في الجنة يخرج الغل والحسد من قلوبهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعليّ ونحوهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تابعهم على سنتهم ومنهاجهم إلى يوم القيامة.
وقال عليّ بن أبي طالب لعمران بن طلحة بن عبيد الله: أرجو أن أكون أنا وأبوك من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} فأنكر عليه بعضهم.
فقال عليّ: إن لم نكن نحن فمن هم؟ يعني: إن الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلوبهم من الغل حتى ينزع عنهم {تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} أي من تحت غرفهم وقصورهم وأشجارهم الأنهار {وَقَالُواْ الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} أي أكرمنا بهذه الكرامة.
ويقال: إن الذي وفقنا للأمر الذي أوجب لنا هذا الثواب وهو الإسلام.
ويقال: هدانا لهاتين العينين.
وذلك أن أهل الجنة لما انتهوا إلى باب الجنة، فإذا هم بشجرة تنبع من ساقها عينان، فيعمدون إلى إحداهما، فيشربون منها، فيخرج الله تعالى ما كان في أجوافهم من غل وقذر فذلك قوله تعالى: {عاليهم ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وسقاهم رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] ثم يعمدون إلى الأخرى فيغتسلون فيها فيطيب الله تعالى أجسادهم من كل درن وحسد وجرت عليهم نضرة ولا تشعث رؤوسهم، ولا تغبر وجوههم، ولا تشحب أجسادهم أبدًا، تتلقاهم خزنة الجنة فينادون في التقديم أي: قبل أن يدخلوها {أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فقالوا بعد ما اغتسلوا من العينين {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} أي: وفقنا حتى اغتسلنا من هاتين العينين.
ويقال: لما دخلوا الجنة ونظروا إلى كراماتها قَالُوا: {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا} يعني: لهذا الثواب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} أي: ما كنا لولا أن وفقنا الله.
ذلك أنهم علموا أن الله تعالى له عليهم المن والفضل فيما أعطاهم.
قرأ ابن عامر {مَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ} بغير واو على الاستئناف.
وقرأ الباقون والواو وعلى معنى العطف.
{لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} يعني: جاءت رسل ربنا بالحق فصدقناهم {وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة} قال بعضهم: قبل أن يدخلوها قال لهم خزنة الجنة تلكم الجنة التي وعدتم.
ويقال بعد ما دخلوا بها يقال لهم: تلك الجنة أي: هذه الجنة التي {أُورِثْتُمُوهَا} يعني: أنزلتموها بإيمانكم واقتبستموها {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في دار الدنيا.
وهذا كما روي في الخبر أنه يقال لهم يوم القيامة: «جُوزُوا الصِّراطَ بِعَفْوِي وَادْخُلُوا الجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوها بِأَعْمَالِكُمْ». اهـ.